حسن الوكيلي
إلى أطباء المغرب...
رحل الدكتور محمد بناني الناصري، وفي قلبه غصة: الانتصار لحق جميع المغاربة في العلاج والتطبيب، والكفاح كي لا تتحول الصحة إلى سلعة في يد الرأسمال المتوحش، لكن غصته الكبيرة ستظل حرمانكم من التغطية الصحية...
الآن وقد ودعنا هذا المناضل، هل ستواصلون الرسالة ؟؟؟
عزاؤنا فيه أن تظل شعلة النضال من أجل الحق في الصحة متوهجة، وأن يظل النضال من أجل مغرب الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية متواصل...
وداعا دكتور
بفضل رجال من طينة الدكتور الناصري بناني محمد ، تحتفظ مصطلحات من قبيل الصدق والكرامة والنضال ، على وجودها في هذا الزمن... .
لقد كان رحمه الله،ينطلق في دفاعه عن المهنة والمهنيين من قناعته الراسخة بحق المواطنين في منظومة صحية عادلة تتيح الولوج إلى العلاج للجميع وبدون تمييز.
كان كلما تدخل للدفاع من أجل مصالح الأطباء إلا واستحضر الهدف الأسمى :صحة المواطن.
لقد كان مؤطره وبوصلته في نضاله النقابي ،قناعته بضرورة بناء مجتمع العدالة الاجتماعية .
غيابه اليوم وحد جميع فعاليات المهنة وهي تشيد بعطائه،و جعلنا نقف على التعاطف الكبير لفئات واسعة من الفاعلين السياسيين والنقابيين والإعلاميين ونشطاء المجتمع المدني مع الأهداف التي نذر فقيدنا حياته من أجلها.
ذهب عنّا الصديق والمناضل والأخ والرفيق،
رحل عنّا ذاك المهووس بحب هذا الوطن وبالدفاع عن الحق وسمو القانون والقضايا العادلة للجماهير ،
افتقدنا المدافع الشرس بلا هوادة عن حاجة المواطن إلى خدمة صحية جيدة وعن مهنة طب شريفة ونبيلة وعن طبيب يمارس بضمير في شروط لائقة،
قليل هم من أفنوا حياتهم أو جل مراحل حياتهم في النضال على كل الواجهات ، السي محمد واحد من هذه القلة. نضال خلال الدراسة والتكوين، نضال في السياسة والحزب لإرساء الديمقراطية التي كان وكنّا ومازلنا نحلم بها، نضال مستميت من أجل الحق في الصحة للجميع ونضال مرير وفعّال لفرض احترام أخلاقيات مهنة الطب والقواعد السليمة للممارسة من طرف الجميع ، نضال طويل وفريد في النقابة لانتزاع الحق المهضوم في الحماية الاجتماعية للأطباء والمهنيين ، وأخيرا نضال صعب وبأسلحة غير متكافئة ضد المرض الفتّاك وموت هادئ في آخر الليل، ولو أمهلته الموت بعض الوقت لرأى بأم عينه ما طالب به وألح عليه قد تحقّق بفضل نضاله، وهي الحماية الاجتماعية للمهنيين التي كان أول من طالب بها.
قبل وفاة هذا الشامخ وخلال زيارة له في المشفى سألته عن حاله وتمنيت له تجاوز هذه الأزمة الصحية ، فأجابني " كتب علي أن أناضل طوال حياتي والآن هاأنا أناضل نضال آخر ضد المرض، وقالها لي بكل أنافة و تحدي، وكل من كان يزوره لمس ذلك، وهذه من ميزاته وهذا هو السي محمد بناني .
فقدنا إنسان من طينة خاصة من بين الناس يمتازون بخصلة نفيسة :وهي الصدق،
الصدق في كل ما يقوله وكل ما يفعله سواء كان محقاّ أو مخطأ...في نظرنا،
كان ونحن معه في العديد من حلبات الصراع صارم وملحاح وملتزم بما اتفقنا عليه تجاه الآخرين، وكان هؤلاء الآخرون لا يتركون فرصة تمر ليقولون لنا عنه بالحرف “ إن صاحبكم راسو قاصح شوفو معاه “ ، وكنا نجيبهم بأننا على علم بتلك الميزة وبتلك الأنافة وبأننا نحبه ونريده كذلك لأنه... صادق،
اختلفنا وتناقضنا ولم نتفق في بعض الأحيان، لكن صدقه القوي بما يؤمن به وإحساسنا القوي كذلك بصدق نواياه ولو لم نتقاطع معه في أفكاره ونواياه وطموحاته كان يجعلنا دائما نراجع أنفسنا ومواقفنا ونبحث على ضرورة تقريب آرائنا لأنه... صادق،
ناضل ونحن معه بل ورأّسناه علينا ضد استبداد القيّمين على الهيئة الوطنية للأطباء آنذاك من فلول المخزن العتيق الذين جمّدوا دور الهيئة في الدفاع عن صحة المواطنين وعن أخلاقيات المهنة وفرضوا الوصاية على الأطباء وأباحوا التسيب والفوضى والشعوذة ، وقد ساوموه على التراجع عن مواقفه و" بيعنا " بمقابل ثمين وهو رئاسته للهيئة ، فرفض العرض السخي الملغوم لأنه صاحب مبدأ وصادق،
بل إن رئيسنا في الائتلاف السي محمد ونحن معه صمدنا وناضلنا وصبرنا إلى أن توّج كل ذلك بإزاحة القدسية والوصاية على الهيئة وإعادتها لأصحابها وهم الأطباء، لكي تقوم بدورها في الحفاظ على صحة المواطن وتضمن سلامة ممارسة المهنة ، ولو أن فرحة السي محمد وفرحتنا لم تكن كاملة بعد محاولة تهريب كل تلك المكتسبات من طرف البعض.
وبالرغم من كل ذلك ، وإذا هان الود على الآخرين ، فالسي محمد ونحن إلى جانبه أصحاب قضية ومشروع نحلم به، لاننسى ونكنّ كل الود إلى المدافعين عن ذاك الحلم.
انتفض السي محمد بناني ونحن ندعّمه ضد السعي إلى التبضيع والمتاجرة في صحة المواطنين ، وتصدى ونحن إلى جانبه للمغالطات الشعبوية التي تبيع وتتخلى عن الحق في الصحة للجميع وتغلّف ذلك بدغدغة عواطف الناس المغلوب على أمرهم بتحميل المهنيين العجز البنيوي للمسؤولين وبإجراءات سطحية وترقيعية.
كان السي محمد ولو أنه طبيب يشتغل بالقطاع الحر وانسجاما مع مواقفه المبدئية أول من بادر إلى توحيد الجهود وتجميع الطاقات للدفاع عن قطاع الصحة بمختلف مكوناته كمرفق عام وعن الصحة كخدمة عمومية وجب على الدولة ضمانها، بل أكثر من ذلك وضع جانبا عيادته ومداخيلها المادية واعتذر لعائلته من كثر الغياب نظرا لمسؤوليته وهمل صحته ليعتني بصحة الآخرين وللتفرغ للآخرين والدفاع عن حقهم في الحصول على خدمة صحية جيدة في المرفق العمومي.
هذا هو المناضل الصادق ، هذا هو السي محمد الذي فقدناه وسنفتقده إلى الأبد.
هذا غيض من فيض، قليل من كثير في حق الصادق السي محمد رحمه الله.
لقد غاض الصادقون وما أحوجنا في هذه المرحلة إلى فيض من المناضلين من أمثال السي محمد بناني الناصري.
بكل مشاعر الحزن والأسى تنعى مؤسسة محمد عابد الجابري للفكر والثقافة نبأ وفاة عضو مكتبها التنفيذي (الدكتور الطيب بناني) يوم السبت 1 غشت2015 .الرجل الذي خبر ميادين النضال السياسي والنقابي، وكان فاعلا مؤثرا في المجالات المدنية والفكرية والمعرفية.
لم يكن يهادن فيما بعتيره حقا، ولم يطمح لمنصب أو مسؤولية من وراء مواقفه التي يقر الجميع يصدقه فيما تبناه منها، كان منحازا للذين لم تسعهم إكراهات الاختيارات الرسمية أو المجتمعية، وارتبط اسمه بالتحولات الكبيرة التي عرفها اليسار المغربي، ولم يعتبر مهنته الطبية مجرد مهنة..فقد كان ينظر إليها باعتبارها واجهة لخدمة الآخرين؛ لذلك كانت عيادته ملاذا لمن لا ملاذ له ...تطوعا وبدون زبد الدنيا..
خاض معاركه الحزبية والنقابية والفكرية بشهامة من لايتهاون فيما يعتبره حقا، وفيما يعتبره مبادئ لا تقبل المزايدة. وكان طبيبا حقوقيا له أياد بيضاء لم يمن بها يوما على أحد، أو على جهة، ولا سعى إلى كسب مجد زائف من ورائها.
لم يمنعه تكوينه اللغوي المتعدد من مناصرة اللغة العربية وقضاياها ، ولم يكن يعتبرها لغة قاصرة عن أداء دورها العلمي والمعرفي ، فكانت له مواقف مشهودة وثقتها مداخلاته وكتاباته ومراسلاته، ولم يكن مكتفيا بممارسة مهنته النبيلة(الطب) ، بل كان جزءا من النسيج الثقافي المغربي ، يحاور أهله، وينخرط في قضاياه دون تردد...
كانت مواقفه مثل لغته ..مباشرة لا التواء فيها،بعيدة عن خشبية مصطنعة ، فكان يعبر بوضوح الواثق من شرعية القضايا التي تبناها، وكانت نبرات صوته التي حباها الله جمالية خاصة تعضد مواقفه الصادقة التي تلزم الآخرين باحترامها رغم اختلافهم المحتمل معها. ..
مات الطبيب المثقف والحقوقي والنقابي والمدني...مات الرجل الذي كانت تسبقه ابتسامته التي تجعل الآخرين يتساءلون: كيف تجتمع الصرامة وحبور اللقاء؟ . وكان في سلوك من عرفه الجواب عن ذلك: إنها الصرامة في المبادئ والمرونة في تصريفها.
كانت إنسانيته تعلو على كل شيء، لذلك ضحى بالكثير مما كان سيوفر راحة البدن،والذهن...تشهد على ذلك كل الإطارات التي مر منها، وعندما كانت نقط الاختلاف تحتد مع الآخرين ، وتصبح الذوات طاغية... كان يتعالى عن الصغائر فيلتجئ إلى محراب التأمل كي يدخل تجربة مدنية أو نقابية أو ثقافية جديدة دون نية الاستحواذ الأبدي عليها .
أيها الشامخ في القلوب النقية ،والنفوس الطاهرة، نم مرتاحا، فقد أديت رسالتك بعلو همة، ونكران ذات، وبعد نظر، وجعلت مهنة الطب تفخر بأمثالك ممن جعلوها واجهة للمواقف النبيلة بعيدا عن كل طموح ظرفي، أو فردي، أو قطاعي.
فرحمة الله عليك..وإنا لله وإنا إليه لراجعون
- الكاتب العام لمؤسسة محمد الجابري للفكر والثقافة.
بكل مشاعر الحزن والأسى تنعى مؤسسة محمد عابد الجابري للفكر والثقافة نبأ وفاة عضو مكتبها التنفيذي (الدكتور الطيب بناني) يوم السبت 1 غشت2015 .الرجل الذي خبر ميادين النضال السياسي والنقابي، وكان فاعلا مؤثرا في المجالات المدنية والفكرية والمعرفية.
لم يكن يهادن فيما بعتيره حقا، ولم يطمح لمنصب أو مسؤولية من وراء مواقفه التي يقر الجميع يصدقه فيما تبناه منها، كان منحازا للذين لم تسعهم إكراهات الاختيارات الرسمية أو المجتمعية، وارتبط اسمه بالتحولات الكبيرة التي عرفها اليسار المغربي، ولم يعتبر مهنته الطبية مجرد مهنة..فقد كان ينظر إليها باعتبارها واجهة لخدمة الآخرين؛ لذلك كانت عيادته ملاذا لمن لا ملاذ له ...تطوعا وبدون زبد الدنيا..
خاض معاركه الحزبية والنقابية والفكرية بشهامة من لايتهاون فيما يعتبره حقا، وفيما يعتبره مبادئ لا تقبل المزايدة. وكان طبيبا حقوقيا له أياد بيضاء لم يمن بها يوما على أحد، أو على جهة، ولا سعى إلى كسب مجد زائف من ورائها.
لم يمنعه تكوينه اللغوي المتعدد من مناصرة اللغة العربية وقضاياها ، ولم يكن يعتبرها لغة قاصرة عن أداء دورها العلمي والمعرفي ، فكانت له مواقف مشهودة وثقتها مداخلاته وكتاباته ومراسلاته، ولم يكن مكتفيا بممارسة مهنته النبيلة(الطب) ، بل كان جزءا من النسيج الثقافي المغربي ، يحاور أهله، وينخرط في قضاياه دون تردد...
كانت مواقفه مثل لغته ..مباشرة لا التواء فيها،بعيدة عن خشبية مصطنعة ، فكان يعبر بوضوح الواثق من شرعية القضايا التي تبناها، وكانت نبرات صوته التي حباها الله جمالية خاصة تعضد مواقفه الصادقة التي تلزم الآخرين باحترامها رغم اختلافهم المحتمل معها. ..
مات الطبيب المثقف والحقوقي والنقابي والمدني...مات الرجل الذي كانت تسبقه ابتسامته التي تجعل الآخرين يتساءلون: كيف تجتمع الصرامة وحبور اللقاء؟ . وكان في سلوك من عرفه الجواب عن ذلك: إنها الصرامة في المبادئ والمرونة في تصريفها.
كانت إنسانيته تعلو على كل شيء، لذلك ضحى بالكثير مما كان سيوفر راحة البدن،والذهن...تشهد على ذلك كل الإطارات التي مر منها، وعندما كانت نقط الاختلاف تحتد مع الآخرين ، وتصبح الذوات طاغية... كان يتعالى عن الصغائر فيلتجئ إلى محراب التأمل كي يدخل تجربة مدنية أو نقابية أو ثقافية جديدة دون نية الاستحواذ الأبدي عليها .
أيها الشامخ في القلوب النقية ،والنفوس الطاهرة، نم مرتاحا، فقد أديت رسالتك بعلو همة، ونكران ذات، وبعد نظر، وجعلت مهنة الطب تفخر بأمثالك ممن جعلوها واجهة للمواقف النبيلة بعيدا عن كل طموح ظرفي، أو فردي، أو قطاعي.
فرحمة الله عليك..وإنا لله وإنا إليه لراجعون
- الكاتب العام لمؤسسة محمد الجابري للفكر والثقافة.
Published by Hassane Loukili … - A la memoire